الـتنـــاص.. مفهومه وأنواعهتألیف د/ محمد الأمین ولد أحمد عبد الله
تشی كلمة (التناص) بوجود تفاعل أو تشارك بین نصین باستفادة احدهما من الأخر و لعل ذلك ما جعل النقد یركز على كشف حیثاته فی الثقافة العربیة قدیما والثقافة الغربیة حدیثا، وهی التی أنتجت هذا المصطلح بصیغته الحالیة {intertextualite} ویعنی هذا المصطلح التواجد اللغوی لنص فی نص آخر , أی كل ما یجعل النص فی علاقة ظاهرة أو خفیة مع نصوص أخرى" (ا)
و نحن و إن قلنا إن المصطلح دخیل على الثقافة العربیة فإننا نشیر كذلك إلى أن له جذورا فی النقد العربی القدیم من حیث دلالته .و إذا بحثنا فی المراجع الاجنبیة التی تحدثت عن هذا المصطلح فلن نجده یختلف كثیرا عما أشرنا الیه سابقا أی عملیة التفاعل بین النصوص، و هو ما أشارت إلیه اكریستفا بقولها : ( النص ترحال للنصوص و تداخل نص فی فضاء نص معین تتقاطع و تتنافی ملفوظات عدیدة مقتطعة من نصوص أخرى ){2}
وهو ما یعنی أن ثمة عملیة مستمرة فی صیرورتها تحكم عالم النص الذی یظل یغازل النصوص السابقة علیه ویأخذ منها ویتشاكل معها و هو ما یعنی أن النص دائما قائم فی بعض تجلیاته حیث أن آثره لا یزال ماثلا فی النص الذی اتكأ علیه وتعلق به .
وفی تصور أكثر وضوحا من سابقه یعرف جیرارجینت التناص بأنه "هو ذلك الرق الذی أزیلت منه الكتابة الأولى لتحل محلها أخرى، ولكن العملیة لم تطمس كلیا النص الاول مما یمكن من قراءة النص القدیم من وراء الجدید مثل ما یحدث فی "التشفیف "وهذه الحالة تبین ان نصا یمكن ان یستر نصا آخر ولكن لا یخفیه كلیة إلا فی القلیل النادر. فالنص فی الغالب یتقبل قراءة مزدوجة اذ یتشابك فیه على الاقل نص "مشتق"ونصه المشتق منه.
وأعنی بالنص المشتق كل الاعمال المتفرعة عن عمل سابق بالتحویل كالمحاكاة الساخرة أو التقلید أو كالمعارضة ... ویمكن للنص على الدوام ان یجعلك تقرأ نصا آخر وهكذا دوالیك حتى نهایة النصوص " {3}
ففی هذا التعریف نجد التأكید على التداخل والتشابك بین النصین النص الجدید والنص القدیم، دون ان یكون فی ذلك قتل للنص القدیم بل هو تداخل او تقاطع بین النصوص فی الالفاظ او المقاطع او السیاق الذی تدور حوله هذه النصوص وقد اهتم الدارسون بالتقاطع بین النصوص باعتباره الوظیفة التی تمكن من قراءة النص على مختلف مستویاته تقول كریستفا"سنطلق على تقاطع نظام نص معین {الممارسة السیمیائیة } مع الملفوظات {المقاطع} التی سبق أن عبر عنها فی فضائه أو التی یحیل إلیها فی فضاء النصوص { الممارسة السیمیائیة } إسم الإیدیولوجم الذی یعنی تلك الوظیفة للتداخل النص والتی یمكننا قراءتها "مادیا"على مختلف مستویات بناء كل نص تمتد على طول مساره مانحة إیاه معطیاته التاریخیة والإجتماعیة وهكذا یظل النص محكوما بالتداخل مع النصوص السابقة علیه من خلال وروده فی فضائه والتعلق بمستویات بنائه.
وقد تتضح عملیة التداخل والتفاعل بین النصوص بالوقوف على تعریف النص الذی تقوم علیه عملیة التناص أو التفاعل النصی لهذا نقول إن النص بنیة ضمن بنیة نصیة منتجة
وهو ما أكد علیه سعید یقطین بقوله : "النص بنیة دلالیة تنتجها ذات { فردیة أو جماعیة } ضمن بنیة نصیة منتجة وفی إطار بنیات ثقافیة وإجتماعیة محددة" {1}
وغیر بعید من هذه التعریفات نجد الصیاغة التی وضعا محمد مفتاح حیث یعرف التناص إنطلاقا مما ذهب إلیه بعض الغربیین بقوله إنه فسیفساء من نصوص أخرى أدمجت فیه بتقنیات مختلفة ممتص لها یجعلها من عندیاته وبتصییرها منسجمة مع فضاء بنائه ومع مقاصده. محولا لها بتمطیطها أو تكثیفها بقصد مناقضة خصائصها ودلالتها أو بهدف تعضیدها {2}
وقد وجدنا فی هذا التعریف جوانب متعددة تنشر ما أجملته التعریفات السابقة التی ركزت على التداخل والتفاعل بین النصوص، وهو ما عبر عنه مفتاح "بالفسیفساء "أی الخلط بین قطع مختلف من شتى النصوص ثم الإمتصاص أو الإجتذاب من القدیم للتلاؤم مع البنیة الجدیدة وبعد ذلك یقوم بنشر هذه المادة إن كانت منضغطة أو تلخیصها إن كانت عكس ذلك، وهی أمور كلها ناتجة عن عملیة التفاعل أو التداخل وهی عملیة لا غنى عنها فی العمل الأدبی فبدون هذا التفاعل فإن العمل الأدبی سیظل مستعصیا على الفهم لأنه لا توجد له خیوط یمكن تلمسها من أجل الوقوف على حقیقته وهو ما عبر عنه أحد الدارسین بقوله "إن العمل الأدبی خارج "التناص"یصبح ببساطة غیر قابل للإدراك لأننا لا ندرك المعنى فی عمل ما إلا فی علاقته بأنماط علیا هی بدورها مجرد متوالیة طویلة من النصوص تمثل متغیرها"{1}
فالتناص إذا ضرورة یفرضها الواقع الأدبی الذی یحتم على الكاتب والقارئ ضرورة فهم النص فلولم یكن النص استجابة لنصوص متقدمة لا نهائیة لما كان له أن یفهم.
ولعل هذه الحتمیة أو الضرورة التی تقف وراء عملیة التناص هی التی جعلت مفتاح یعتبره من أهم الضروریات بل لا حیاة للأدب مالم یكن هنالك تناص لأنه هو عصب الحیاة لها قیاسا على تشبیهه بالماء یقول مفتاح "فالتناص ، إذن للشاعر بمثابة الهواء والماء والزمان والمكان للإنسان فلا حیاة له بدونها ولا عیشة له خارجها" {2}.
فالتناص كما تِؤكد هذه التعریفات حتمیة لا غنى عنها للنص الأدبی أراد الكاتب ذلك أم لم یرده فهو محكوم به علیه رغم أنفه حیث إنه قد یحصل دون أن یكون ذلك بقصد الكاتب بل یقع فیه من خلال مخزونه الأدبی فی الذاكرة.
غیر أن التناص لم یكن ولید الصدفة البحتة ، بل توجد آلیات تحكمه , وقد كانت هذه الآلیات موضع إهتمام ورصد من قبل علماء العرب القدماء وخیر دلیل على ذلك هو عملیة الحكم بین النصین التی كان یقوم بها إبن رشیق حیث كان ینظر فی أیهما أكثر إجادة فی المعانی ولو كان متأخرا عن خصمه، سواء أكان دلك من خلال إختصاره للنص إن كان فضفاضا أم من خلال بسطه وتمطیطه إن كان عكس ذلك.
من هنا جاءت آلیات التناص كما رصدها إبن رشیق وأقرها المعاصرون على النحو التالی : التمطیط والإیجاز.
{ أ } التمطیط : وقد یكون بأشكال مختلفة تبسط النص من خلال التداعی الذی یسیطر على الكاتب المحتذی وهو یختزن فی ذاكرته النص النموذج وأول هذه الوسائل التی یعتمدها الكاتب فی التمطیط هی الشرح.
- الشرح : وهو أهم وسیلة یعتمد فیها الكاتب على التمطیط : بإستعماله البعد التفسیری للفكرة التی یحاول شرحها لذلك كان الشرح أساس كل خطاب شعری إذ أنه قد یكون فی القصیدة كلمة محوریة تدور حولها القصیدة كلها.
- الإستعارة : سواء مرشحة أو مجردة أو مطلقة لأنها تبعث الحیاة فی كل الأشیاء خاصة إذا كان الخطاب شعریا حیث تنقل المجرد { الدهر } إلى المحسوس {اللیث} فالإستعارة قد تكون أكثر دقة فی التعبیر من الحقیقة وأشد منها وقعا لما تحتله من حیز مكانی وزمانی أكثر من غیرها .
- التكرار : ویكون على مستوى الأصوات والكلمات والصیغ تراكمیا أو ثنائیا.
{ب} الإیجاز: فكما ینشر الكاتب النص فإنه كذلك یلخصه ویختصره عما كان علیه من قبل عن طریق الإشارات والتلمیحات الدالة كالإشارات التاریخیة المشهورة {1}.
هذه إذا هی الآلیة التی من خلالها یكون التناص، فهو إما أن یكون تمطیطا عن طریق الشرح والتفسیر الذی تتداخل فیه النصوص وتتعالق بصورة واضحة وإما أن یكون تلخیصا من خلال الإیماءات إلى حوادث مشهورة تاریخیا وهو هنا إرصاد أو تضمین من تفاعل نصی{2}.
2- أنواع التناص :
هنالك إصطلاحات كثیرة وردت كلها فی إطار واحد هو إطار التناص فكما یسمیه البعض بالتناص یسمیه آخرون التفاعل النصی أو التداخل النصی أو العلاقة بین النصوص أو المتعالقات النصیة. وهی عبارات مختلفة فی اللفظ، وتطمح لنفس الهدف بل بصورة أدق كلها أسماء لمسمی واحد، ولعل التفاعل النصی أقوی هذه التعابیر. لأنه یحمل فی طیاته صورة التأثیر التی یرسمها النص المتقدم فی النص المتأخر. وهو ما یمكن من خلاله الكشف عن العلاقة أو الصلة بین النصوص من حیث أدبیتها .
وقد كان جیرارجینت سباقا فی تصنیف التناص إلى أنواع معینة وصل عددها إلى خمسة رئیسیة وهذه الأنواع هی:
1.التناص وهو یحمل نفس المعنى الذی یرمی إلیه التناص عند جولیا كریستفا أما عند جیرارجینت فهو حضور نص فی آخر للإستشهاد والسرقة وما شابه ذلك .
2. المناصparatisit وخیر مثال علیه العناوین والعناوین الفرعیة والمقدمات والذیول والصور وكلمات الناشر.
3. المیتناص : وهو علاقة التعلیق الذی یربط نصا بآخر یتحدث عنه دون أن یذكره أحیانا .
4. النص اللاحق : ویكمن فی العلاقة التی تجمع النص "ب"كنص لاحق huortexte بالنص {أ} كنص سابق hyupoxte وهی علاقة تحویل أو محاكات.
5. معماریة النص : هو النمط الأكثر تجریدا وتضمنا، إنه علاقة صماء تأخذ بعدا مناصیا وتتصل بالنوع؟ شعر- روایة{1}.
وهذه الأنواع الخمسة كما هو واضح شدیدة الترابط فیما بینها حیث لاتخرج عن الإطار الذی رسمت من أجله التسمیة وهو وجود علاقة ما بین النصوص .
وفی تصور آخر غیر بعید عن هذا یقسم سعید یقطین التناص إلى أنواع ثلاثة انطلاقا من اعتبار أن النص ینتج ضمن بنیة نصیة سابقة وهو یتعالق بها وهو یقسم النص إلى بنیات نصیة هی "بنیة النص"وهی التی تعنى باللغة والأحداث والشخصیات والقسم الآخر من البنیة هو "بنیة المتفاعل النصی "لأن المتفاعلات هی البنیات النصیة بشتى أشكالها.
وقد توصل یقطین إلى الأنواع الثلاثة التالیة، مستعینا فی هذا التقسیم بتقسیم جیرارجیت السابق "نستفید فی تحدیدنا لأنواع التناص من خلال دراسة جیرارجیت"لها {1}
وهی:
1. المناصة Paratentalité : وهی البنیة النصیة التی تشترك وبنیة نصیة أصلیة فی مقام وسیاق معینین وتجاورها محافظة على بنیتها كاملة ومستقلة. وتكون المناصة داخل النص أی تفاعل داخلی كما تكون مناصة خارجیة ومن ضمنها ما یكون فی المقدمات والذیول والملاحق وكلمات الناشرأو ما شابه ذلك.
2. التناص inttertextua وهو یعنی التضمین بأن تتضمن بنیة نصیة ما عناصر من بنیات نصیة سابقة وتلتحم معها حتى یظهر أنها جزء منها .
3. المیتناصیة métatextualité وهی نوع من المناصة لكنها تأخذ بعدا نقدیا محضا فی علاقة بنیة نصیة مع بنیة نصیة أصل{2}.
وهذه الأنواع كلها وكما لاحظنا سابقا مع تقسیمات جیرارجینت تسیر فی قالب واحد هو التفاعل النصی أو العلاقة ما بین النص القدیم والحدیث.
حیث إن كل الكتابات تنتج فی اطار بنیة نصیة سابقة بقصد صاحبها او بغیر قصده، سواء أكانت هذه البنیة قدیمة ام معاصرة. واذا كان التناص قد دخل الثقافة العربیة فی صورته الناضجة عن طریق التلاقح الثقافی مع الغرب فان له جذورا – فی ثقافتنا العربیة وهو ما رصده النقاد القدماء، من خلال دراستهم للمعارضة وقد صنفوها إلى أنواع كثیرة حسب تصور كل ناقد للطریقة التی یتم بها التناص داخل المعارضات الشعریة.
وسنشیر فی هذه الدراسة الى الانواع التی توصل الیها القدماء دون ان نغوص فی ذلك لاننا نرید فقط ان نؤكد على مدى الترابط بین التصور القدیم والحدیث للتناص , وإن اختلفت المعالجات التی كشفت بها حقیقة التناص.
لقد كانت المحاولات كثیرة فی هذا المجال حیث نجد ابن رشیق والحاتمی وبدوى طبانة وغیرهم تحدثوا عن هذه الانواع ودورها فی عملیة الابداع الادبی.
وسنهمل كل المحاولات الا محاولة بدوى طبانة ، والتی سنكتفی منها ببعض التعریفات والشواهد تفادیا للاطالة. ففی إطار معالجته لهذه المسألة رأی بدوى طبانة أنه یوجد أثنا عشر نوعا من التناص على النحو التالی:
1. الاصطراف : وهو ولید الاعجاب بالسابق والأخذ به ویكون ذلك باحدى طریقتین إن یعتبره مثلا له فهو "اجتلاب"و"استلحاق". وإن لم یكن على سبیل المثل فهو انتحال وهو اقرب الى السرقة وان ورد على غیر ذلك.
2. الادعاء : أن یدعى الرجل شعر غیره فینسبه لنفسه كذبا.
3. الغصب : أن ینسب الشاعر شعر غیره لنفسه عنوة رغم قیام الحجة.
4. المرافدة : أن یقدم الشاعر لزمیله ابیاتا على سبیل المعونة تتمة لمعنى كان قد بدأ فیه ولم یكمله.
5. الاهتدام : وهو ان یأحذ الشاعر البیت او البیتین وهو بمعنى السرقة
6. النظر والملاحظة : أن یتساوى المعنیان دون اللفظ مع خفاء الصلة.
7. الاختلاس : وهو استعمال المعنی القدیم فی غرض جدید.
8. الموازنة : وهو یقتصر على اخذ ابنیة الكلمات.
9. المواردة : ان یتفق الشاعران دون ان یسمع احدهما شعر الاخر
10. الالتقاط : والتغلیف : وهو بناء البیت من ابنیة ابیات عدیدة.
11. كشف المعنى : وهو إظهار المعنى الذی تحدث فیه الاول من طرف الاخیر.
12. المجدود : وهو ان یشتهر المعنى ویظل جاریا على الالسنة فی جدة متمیزة {1}.
و من خلال نظرة خاطفة لهذه التعریفات نجد أن القدماء لم تتجاوزهم الرؤى المعاصرة فی كثیر, حیث إنهم بحثوا فی كل السبل ورصدوا تحركات الشعراء المختلفة حتى تمكنوا من معرفة العلاقات الداخلیة والخارجیة بین النصوص الشعریة وان كان هنالك من فروق فإن من أهمها قدرة المعاصرین على تحدید الظاهرة والسیطرة علیها من خلال تلخیصها فی اقسام وجیزة بینما نجدها عند القدماء متعددة الجوانب.
3 – أهمیة التناص :
بعد التتبع لمظاهر التناص فی الثقافة الغربیة، وتأصیله فی الثقافة العربیة فانه لا فكاك لنا من التسلیم بضرورة التناص واهمیته فی الثقافة الانسانیة بشكل عام، وفی تطور الادب بشكل خاض فكل الدراسات تؤكد على اهمیته كضرورة حتمیة لا مناص مها فهو كما یقول الدكتور مفتاح "فالتناص، إذن للشاعر بمثابة الهواء والماء والزمان والمكان للانسان فلا حیاة له بدونهما ولا عیشة له خارجهما"{2}.
فالشاعر یجد نفسه ملزما بالاخذ بشروط التناص الزمانیة والمكانیة وما دار فی هذا الزمان والمكان فضلا عن ما تختزنه ذاكرته من احداث تاریخیة
كما أن معرفة المحیط الاجتماعی الذی یوجد فیه الشاعر هی الرافد الاساسی الذی تنبع منه التأویلات النصیة من طرف المتلقین من خلال عكسهم للنص على ما دار فی الواقع المعیشی مما یجعل تجاهل آلیات التناص أمرا غیر ممكن وهو ما أكد علیه مفتاح فی قوله : "لا أن یتجاهل وجوده هروبا الى الامام" {1} ولعل هذه الالزامیة هی التی جعلت الشعر العربی القدیم یعیش فی دوامة { الابداع والاتباع } حیث لم یجد بدا من الخروج منها لعدم تبلور الرؤیة فی نظر النقاد
بینما ظهرت المسألة فی النقد الحدیث كضرورة إلزامیة لا غنى عنها للادب حیث إن عملیة التناص هی التی نستطیع من خلالها تأویل النصوص وتفسیرها ولعل هذا التصور هو الذی ذهب الیه سعید یقطین حین قال "إن التناص له ضرورته وأهمیته لان الامر یتعلق بتوجیه قراءة النص والتحكم فی تأویله" (2)
فلیس للنص كلغة معزولة عن العالم أهمیة إذ لا یمكن فهم ما یدور حوله، الا إذا عتبرنا أنه بنیة متشابكة من نصوص متعددة أی انه نسیج من أبنیة نصیة سابقة علیه تبعا للاشارات التی یحملها. وتعتبر هذه النصوص السابقة أو ما سماها بعضهم بالنص "الغائب"هی العتبات أو الشفرات التی من خلالها یمكن الدخول الى النص الحاضر.
وهو ما یجعل فی النص نكهة وجمالیة عند المتلقى حیث یربطه بجذور معینة یستمتع خلال عملیة تلمسه لها.
– دواعی التناص :
رغم الاهمیة الادبیة التی تبوأها التناص فی الدراسات الادبیة حیث تبین أنه لا غنی عنه للشاعر ولا الكاتب ایا كان، فانه لا یمكن ان نعتبر ان التناص ولید الصدفة، ولا یصح ان یكون كذلك. ذلك ان الثقافة الانسانیة محكومة بسمة التولید والاستنتاج وكلما طال عمر الثقافة ایا كانت فانها تكون اكثر حظا فی التعالق ما بین الحاضر والماضی .
والنظر فی قضیة اللغة كظاهرة إنسانیة متجذرة یوضح ان الانسان لا یمكنه الانقطاع عن الماضی الثقافی له "إذ انه لیس فی مقدوره اختراع اللغة كما لا یمكنه الاستغناء عنها لانه لن یكون مسموعا من طرف مجتمعه، ومن هنا فانه یعجز عن الاستمراریة فی التواصل مع الاخرین فاللغة نتاج اجتماعی لا یمكن إهماله بل لا بد من التمسك به والرجوع الیه حتى یتسنى للقارئ والمتلقی بصورة عامة فهم مداخیل هذا النص ولن یكون ذلك الا بوضعه فی إطاره الاجتماعی "یجب وضع النص الادبی فی وضع لغوی اجتماعی خاص كما عاشه كاتبه وجماعته الاجتماعیة"{1}.
علاوة على ذلك فانه لا یمكن اهمال دور الثقافة التراثیة دون قصد الكاتب او الشاعر لان هذا الشاعر الذی انسجم مع هذه اللغة وفهم مدلولاتها، فانه سیجد نفسه مرغما على التعامل معها والاخذ منها حیث استقرت فی ذاكرته وكونت لدیه مرجعیة ثقافیة معینة اصبحت تشكل جزء كبیرا من بنیته الفكریة.
لذلك فانه من الجدیر بنا أن نذكر ان التناص ولید التراكمات الثقافیة لدى الانسان، وبالتالی فانه من أهم الدواعى التی أسهمت فی إرساء قواعد التناص الادبی هى الخلفیة الثقافیة فی التراث.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
{1} جیرارجینت نقلا عن د/ محمد ناجی محمد احمد، ص 46
{2} علم النص – جولیا كریسیتفا : ترجمة فرید النراهی ، توبقال للنشر ، ص 21 .
{3} نقلا عن معارضات یالیل الصب : جرارجینت ، ص 47 .
↧
الـتنـــاص.. مفهومه وأنواعه تألیف د/ محمد الأمین ولد أحمد عبد الله
↧